الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقوله «أَفْرَدَ الْحَجَّ» أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَأَفَادَ أَنَّهُ أَفْرَدَ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَأَفْرَدَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ لِلْإِحْرَامَيْنِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَأَبْطَلَ بِذَلِكَ قَوْلَ مَنْ يُجِيزُ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وسعيا وَاحِدًا.وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْأَكْلُ مِنْ هدي القرآن وَالْمُتْعَةِ.وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: مِنْ كُلِّ الْهَدْيِ يُؤْكَلُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ فِدَاءٍ أَوْ جَزَاءٍ أَوْ نَذْرٍ.وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَا سِوَى ذَلِكَ.وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ قالا: لَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ إلَّا الْجَزَاءُ.فَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَدْ أَجَازُوا الْأَكْلَ مِنْ دَمِ القران وَالتَّمَتُّعِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ حَظَرَهُ.قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ} رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ: {وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ} قال: مَنْ سَأَلَكَ.وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قال: البائس الَّذِي يَسْأَلُ بِيَدِهِ إذَا سَأَلَ.وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ بَائِسًا لِظُهُورِ أَثَرِ الْبُؤْسِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ لِلْمَسْأَلَةِ، وَهذا عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِالْفَقْرِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ؛ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ هُوَ فِي نِهَايَةِ الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ السُّكُونُ لِلْحَاجَةِ وَسُوءِ الْحَالِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ.وَهَذِهِ الآية قَدْ انْتَظَمَتْ سَائِرَ الْهَدَايَا وَالْأَضَاحِيّ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لَإِبَاحَة الْأَكْلِ مِنْهَا وَالنَّدْبِ إلَى الصَّدَقَةِ بِبَعْضِهَا.وَقَدَّرَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الصَّدَقَةَ بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ لِقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ} وَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي لُحُومِ الْأَضَاحِيّ: «فَكُلُوا وَادَّخِرُوا» فَجَعَلُوا الثُّلُثَ لِلْأَكْلِ وَالثُّلُثَ لِلِادِّخَارِ وَالثُّلُثَ لِلْبَائِسِ الْفَقِيرِ.وَفِي قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ} دَلَالَةٌ عَلَى حَظْرِ بَيْعِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قوله صلى الله عليه وسلم: «فَكُلُوا وَادَّخِرُوا» وَفِي ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ.وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عن علي قال: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَقال: «اقْسِمْ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا وَلَا تُعْطِ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنَّا نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا»، فَمَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أُجْرَةُ الْجَازِرِ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْجَازِرِ ذَلِكَ مِنْ أُجْرَتِهِ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ.وَلَمَا جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ قال أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ.وَقال الشَّعْبِيُّ: كَانَ مَسْرُوقٌ يَتَّخِذُ مَسْكَ أُضْحِيَّتِهِ مُصَلًّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ.وَعَنْ إبراهيم وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ.قال أَبُو بَكْرٍ: وَلَمَا مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطَى الْجَازِرُ مِنْ الْهَدْيِ شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا وَقال: «إنَّا نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَحْظُورَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حديث عَلِيٍّ: «وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا» وَفِي بَعْضِهَا: «أَنْ لَا أُعْطِيَهُ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْ غَيْرِ أُجْرَتِهِ كَمَا يُعْطِي سَائِرَ النَّاسِ.وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» وَهُوَ أَصْلٌ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مَعْلُومٍ.وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا الْإِجَارَةَ عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِجَارَةَ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ بِقِصَاصٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الذَّبْحَ عَمَلٌ مَعْلُومٌ وَالْقَتْلُ مُبْهَمٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَدْرِي أَيَقْتُلُهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرْبَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: التَّفَثُ الذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ.وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ.وَقال ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قوله: {تَفَثَهُمْ} قال: الْمَنَاسِكُ.وَرَوَى أَشْعَثُ عَنْ الْحَسَنِ قال: نُسُكُهُمْ.وَرَوَى حَمَادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قال: الشَّعْرُ وَالْأَظْفَارُ.وَقِيلَ: التَّفَثُ قَشَفُ الْإِحْرَامِ وَقَضَاؤُهُ بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَالِاغْتِسَالِ وَنَحْوِهِ.قال أَبُو بَكْرٍ: لَمَا تَأَوَّلَ السَّلَفُ قَضَاءَ التَّفَثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ قَضَائِهِ حَلْقَ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لَهُ لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا يُسَوَّغُ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا لَيْسَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قال إنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْإِحْرَامِ.وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ؛ إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَحْظُورَةً قَبْلَ الْإِحْلَالِ لِقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وَقوله: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرض} وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِقَضَاءِ التَّفَثِ قَدْ انْتَظَمَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا قوله مِنْ السَّلَفِ.وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ الْإِيجَابُ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ.وَقوله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْرُ مَا نَذَرُوا مِنْ الْبُدْنِ.وَقال مجاهد: كُلُّ مَا نُذِرَ فِي الْحَجِّ.قال أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ نَحْرَ الْبُدْنِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّ قوله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا نُذِرَ نَحْرُهُ مِنْ الْبُدْنِ وَالْهَدَايَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الذَّبْحَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَأَمْرِهِ إيَّانَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَيَكُونُ قوله: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} فِي غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِهِ وَهُوَ دَمُ التَّطَوُّعِ وَالتَّمَتُّعِ والقران.وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْهَدْيَ الْمَنْذُورَ أَنَّ دَمَ النَّذْرِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تعالى بِالْأَكْلِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورِ فِي الآية، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّذْرَ، وَاسْتَأْنَفَ ذِكْرَ النَّذْرِ وَأَفَادَ بِهِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ ذَبْحَ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ إيجَابُ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ دُونَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ.وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ سَائِرَ النُّذُورِ فِي الْحَجِّ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ طَوَافٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قال: هُوَ كُلُّ نَذْرٍ إلَى أَجَلٍ.قال أَبُو بَكْرٍ: وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لِقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ نَحْوَهَا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ.بَابُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ قال اللَّهُ تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا} طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَقال مجاهد: الطَّوَافُ الْوَاجِبُ.قال أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَوَامِرُ عَلَى الْوُجُوبِ.وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، وَلَا طَوَافَ مَفْعُولٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أراد طَوَافَ الزِّيَارَةِ.فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ وَحَلُّوا بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَجَعَلُوهُ عُمْرَةً إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِحْلَالِ وَمَضَى عَلَى حَجَّتِهِ.قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَامُورٌ بِهِ عَقِيبَ الذَّبْحِ، وَذَبْحُ الْهَدْيِ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَحَقِيقَةُ ثم لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي، وَطَوَافُ الْقُدُومِ مَفْعُولٌ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} هُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى تَقُومَ دَلَالَةُ النَّدْبِ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَفِي صَرْفِ الْمَعْنَى إلَيْهِ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الطَّوَافَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ لَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّوَافَ إنَّمَا أُمِرُوا بِهِ لِفَسْخِ الْحَجِّ وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَبِمَا رَوَى رَبِيعَةُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ قال: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ فَسْخَ حَجَّتِنَا لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قال: بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً».وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ.وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَطُوفُ الْحَاجُّ لِلْقُدُومِ وَإِنَّهُ إنْ طَافَ قَبْلَ عَرَفَةَ صَارَتْ حَجَّتُهُ عُمْرَةً. وَكَانَ يَحْتَجُّ بِقوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّوَافِ قَبْلَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ هذا الْحُكْمَ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ وَأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ قَبْلَ تَمَامِهِ جَائِزٌ بِأَنْ يَطُوفَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيَصِيرَ حَجُّهُ عُمْرَةً.وَقَدْ ثَبَتَ بِظَاهِرِ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} نَسْخُهُ، وَهذا مَعْنَى مَا أرادهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقوله: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا: مُتْعَةُ النساء وَمُتْعَةُ الْحَجِّ. وَذَهَبَ فِيهِ إلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الآية وَإِلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَوْقِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمْ عَلَى أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُ قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} عَلَيْهِ، فَثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ.وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ إذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ، وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ، فَلَمَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يَزُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْبَيْتَ إلَى يَوْمِ النَّفْرِ إلَّا رِجَالًا كَانَتْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ فَتَعَجَّلُوا. وَإِنَّمَا أراد بِذَلِكَ عِنْدَنَا النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَوْ خُلِّينَا وَظَاهِرَ الآية لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَا اتَّفَقَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَخَّرْنَاهُ وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلِذَلِكَ قال أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَخَّرَهُ إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.فَإِنْ قِيلَ: لَمَا كَانَتْ ثم تَقْتَضِي التَّرَاخِي وَجَبَ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ إلَى أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الطَّائِفُ.قِيلَ لَهُ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ تَأْخِيرِهِ إذَا حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَلَمَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ وَاجِبًا وَكَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا لَا مَحَالَةَ اقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومَ فِعْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، فَاسْتِدْلَالُكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهِ أَبَدًا غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ كَوْنِ ثم فِي هذا الْمَوْضِعِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهَا حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مِنْ وُجُوبِ فِعْلِهِ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهذا قال أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إنَّ عَلَيْهِ دَمًا؛ لِأَنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَدْ اقْتَضَى فِعْلَ الْحَلْقِ عَلَى الْفَوْرِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَبَاحَ تَأْخِيرَهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يُبِحْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.وَمِمَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تعالى قَدْ أَبَاحَ النَّفْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ النَّحْرِ بِقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} وَيَمْتَنِعُ إبَاحَةُ النَّفْرِ قَبْلَ تَقْدِيمِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَامُورٌ بِهِ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ النَّحْرِ، فَإِذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ الطَّوَافُ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مَنْهِيٌّ عَنْ تَأْخِيرِهِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ لَزِمَهُ جُبْرَانُهُ بِدَمٍ.وقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} لَمَا كَانَ لَفْظًا ظَاهِرَ الْمَعْنَى بَيِّنَ الْمُرَادِ اقْتَضَى جَوَازَ الطَّوَافِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ عُرْيَانَ أَوْ مَنْكُوسًا أَوْ زَحْفًا؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِ الطَّهَارَةِ وما ذَكَرْنَا شَرْطًا فِيهِ، وَلَوْ شَرَطْنَا فِيهِ الطَّهَارَةَ وما ذَكَرْنَا كُنَّا زَائِدِينَ فِي النَّصِّ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ فَقَدْ دَلَّتْ الآية عَلَى وُقُوعِ الطَّوَافِ مَوْقِعَ الْجَوَازِ وَإِنَّ فِعْلَهُ. عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.وَقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يَقْتَضِي جَوَازَ أَيِّ ذَلِكَ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ؛ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ فَعَلَ الطَّوَافَ قَبْلَ قَضَاءِ التَّفَثِ أَوْ قَضَى التَّفَثَ ثُمَّ طَافَ فَإِنَّ مُقْتَضَى الآية أَنْ يُجْزِئَ جَمِيعُ ذَلِكَ؛ إذْ الْوَاوُ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ.وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ فِي إبَاحَةِ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَيْضًا فِي حَظْرِ الْجِمَاعِ قَبْلَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الطِّيبِ وَالصَّيْدِ، فَقال قَائِلُونَ: هُمَا مُبَاحَانِ قَبْلَ الطَّوَافِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي آخَرِينَ مِنْ السَّلَفِ.وَقال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ: لَا تَحِلُّ لَهُ النساء وَالطِّيبُ وَالصَّيْدُ حَتَّى يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ.وَقال قَوْمٌ: لَا تَحِلُّ لَهُ النساء وَالطِّيبُ وَالصَّيْدُ حَتَّى يَطُوفَ. وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ».وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى إبَاحَةِ اللُّبْسِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَيْسَ لَهُمَا تَأْثِيرٌ فِي إفْسَادِ الْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ وَالصَّيْدُ مِثْلَهُمَا.وقوله تعالى: {بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قال مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قال: قال ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ.وَقال مجاهد: أُعْتِقَ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهُ الْجَبَابِرَةُ.وَقِيلَ: إنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، بَنَاهُ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ وَلَدُهُ إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ أَقْدَمُ بَيْتٍ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ عَتِيقًا. اهـ.
.قال ابن العربى: قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي للطائفين والقائمين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:المسألة الأولى:قالوا مَعْنَاهُ وَطَّأْنَا وَمَهَّدْنَا.وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا؛ إنَّمَا الْمَبَاءَةُ الْمَنْزِلُ، و{بَوَّأْنَا} فَعَّلْنَا مِنْهُ فَالْمَعْنَى وَإِذْ نَزَّلْنَا بِتَشْدِيدِ الزَّايِ لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ، أَيْ عَرَّفْنَاهُ بِهِ مَنْزِلًا، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ اللَّامُ فِيهِ، فَخَفِيَ الْأَمْرُ عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا حَتَّى قال: إنَّ اللَّامَ هَاهُنَا زَائِدَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.المسألة الثَّانِيَةُ:قال النَّاسُ: جَعَلَ اللَّهُ لِإبراهيم عَلَامَةً رِيحًا هبَّتْ حَتَّى كَشَفَتْ أَسَاسَ آدَمَ فِي الْبَيْتِ.وَقِيلَ: نَصَبَ لَهُ ظِلًّا عَلَى قَدْرِ الْبَيْتِ، فَقَدَّرَهُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَطَّهُ لَهُ جِبْرِيلُ.وَهَذِهِ الْجُمَلُ لَا تَتَخَصَّصُ إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ صَحِيحٍ.وَقَدْ قَدَّمْنَا حديث إبراهيم وما كَانَ مِنْهُ مَعَ هَاجَرَ وَابنها، وَكَيْف عَادَ، وَكَيْف بَنَى، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ.
|